المقالة الرابعة عشرة
حتى لا تضيع فلسطين إلى الأبد 1
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فما رأيت قضية تاجر بها الفجار وظلم بها أصحابها الحقيقيون مثل فلسطين.
فكل التغييرات التي جرت في الأوضاع السياسية كانت ورقتها الرابحة ولافتتها الرائجة (فلسطين وإرجاعها).
فقد ادعى العسكر الذين حكموا أجزاء مختلفة من المناطق العربية، أن الأنظمة التي كانت تسود المنطقة العربية إن معارك سنة (1948م - 1949م) كانت آنذاك عميلة للاستعمار، تأتمر بأمره وترتهن بإشارته، فجاءت هذه الأنظمة العسكرية (ذات الأحذية الثقيلة!!!) لتعيد الحق إلى نصابه وترد المظلومين إلى ديارهم المغتصبة، وظل شعار العودة الذي يرفعه العسكر أفيوناً يخدر الجماهير المسحوقة في المنطقة، والتي أعياها أن تجد حلاً سوى الأماني المعسولة التي يوهمهم بها من يتربعون على الصدور دون الكراسي.
واستيقظ العالم الإسلامي صبيحة الخامس من حزيران 1967م على الهزيمة التي ما سطر التاريخ لها مثيلاً في تاريخ المعارك العسكرية، وتبدّى من خلال الانهيار الكبير في الميدان أنّ الأماني كانت سراباً خُلّباً، وأن الأحلام كانت أوهاماً ما جاوزت أخيلة المغرورين ولا أدمغة المخدوعين، وجاء التجار الثوريون الجدد ولكن باسم الثورة والثوار، وباسم الأرض والتحرير، وفي هذه المرة رفعت مبادئ جديدة وشعارات فريدة، وتسلل اليسار تحت ضجيج الإعلام وهم يركبون مركب الإنقاذ فوق الجماجم والدماء، وخُدع الناس مرة أخرى باليساريين، متناسين قوله عز وجل: ﴿ومن يهن الله فما له من مكرم﴾ [الحج: 18].
﴿إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده﴾ [آل عمران: 160].
وقول الحسن البصري: (إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهمجلت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه).
ففي سنة 1939م أنشأ الشيوعيون عصبة التحرر الوطني، سكرتيرها اليهودي بنفسكي ونائبه توفيق طوبي، وكانت مطالب هذه العصبة: جلاء بريطانيا ثم تشكيل حكومة مشتركة بين اليهود والعرب، وفي حرب 1948م تحول أعضاء عصبة التحرر الوطني إلى قادة عصابات مسلحة يذبحون الشعب الفلسطيني، فانسحب بعض الشباب المغرر به، في حين وقف الشيوعيون المتحمسون يدافعون عن اليهود، وفي مقدمة هؤلاء إبراهيم بكر -نقيب المحامين في الأردن فيما بعد-، وفؤاد نصار زعيم الحزب الشيوعي الأردني، وبعد نكبة 1948م صار الحزب الشيوعي الفلسطيني اليهودي يشرف على بقية فلسطين غير المحتلة، وكان في رئاسة الحزب إيميل توما وتوفيق طوبي وإيميل حبيبي، وهذان الأخيران كانا عضوين في الكنيست لفترة طويلة.
وكانت الصلة بين الشيوعيين في قسمي فلسطين المحتلة والضفة الغربية عن طريق ضابط إسرائيلي وسكرتير صحفي من الشيوعيين يعملان في لجنة الهدنة.
يقول الأستاذ سعد جمعة في كتابه (المؤامرة ومعركة المصير): "إن كثيراً من المنشورات الشيوعية العربية كانت تأتينا عبر الحدود من إسرائيل، وإن كثيراً من قادة الحزب الشيوعي الأردني قُذفوا علينا من إسرائيل؛ بعد أن تتلمذوا على أيدي دهاقنة الحزب الصهيوني المضللين".
ولقد كشف رفيق رضا عضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني السوري -الذي انشق على خالد بكداش وكان مساعداً له- عن المؤامرة فيقول: "كانت قيادة الحزب الشيوعي بمثل حماس ابن غوريون على بعث الدولة اليهودية في فلسطين، فإسرائيل في نظرها واحة من واحات الديمقراطية في الشرق الأدنى".
ولقد وقف الشيوعيون العرب يدافعون عن اليهود المظلومين.
ففي العراق قال الشيوعيون: "إن الشعب العراقي يرفض بإباء أن يحارب الشعب الإسرائيلي الشقيق".
وقال فهد سكرتير الحزب: "مرحباً بإنشاء دولتين عربية ويهودية في فلسطين، واشترط لها الاشتراكية والتحالف ضد الرجعية الدينية العربية".
وكتبت المنظمة الشيوعية المصرية في 15 مايو (أيار) 1948م تحت عنوان (غزت الجيوش العربية فلسطين): "وهذه الحرب حرب رجعية تخدم البرجوازية العربية بكبت البروليتاريا الصاعدة -اليهود- الثورية في فلسطين".
ولنا عودة لنرى ما خلف اليسار على رأس فلسطين من الدمار.
مجلة الجهاد - العددان الرابع والخمسون والخامس والخمسون
رمضان وشوال 1409هـ / أبريل ومايو 1989م