.
فيقول ابن صفوان وأهل الشام أيضاً:
.
إي والله وألف رجل، ولقد كان حجر المنجنيق يقع على طرف ثوبه
فلا ينزعج بذلك، ثم يخرج إليهم فيقاتلهم كأنه أسد ضاري،
حتى جعل الناس يتعجبون من إقدامه وشجاعته.
.
فلما كان ليلة الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى من هذه السنة،
بات ابن الزبير يصلي طول ليلته، ثم جلس فاحتبى بحميلة سيفه فأغفى
ثم انتبه مع الفجر على عادته، ثم قال: أذن يا سعد، فأذن عند المقام،
وتوضأ ابن الزبير ثم صلى ركعتي الفجر،
.
ثم أقيمت الصلاة فصلى الفجر، ثم قرأ سورة ((ن)) حرفاً حرفاً.
ثم سلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اكشفوا وجوهكم حتى أنظر إليكم.
.
فكشفوا وجوههم وعليهم المغافر فحرضهم وحثهم على القتال والصبر،
ثم نهض ثم حمل وحملوا حتى كشفوهم إلى الحجون، فجاءته آجرة
فأصابته في وجهه فارتعش لها، فلما وجد سخونة الدم يسيل
على وجهه
تمثل بقول بعضهم:
ولسنا على الأعقاب تُدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما
(ج/ص: 8/366)
.
ثم سقط إلى الأرض فأسرعوا إليه فقتلوه رضي الله عنه،
وجاؤوا إلى الحجاج فأخبروه فخر ساجداً قبحه الله،
ثم قام هو وطارق بن عمرو حتى وقفا عليه
وهو صريع.
.
فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا.
فقال الحجاج: تمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين؟
قال: نعم !
هو أعذر لأنا محاصروه وليس هو في حصن ولا خندق ولا منعة ينتصف منا
بل يفضل علينا في كل موقف، فلما بلغ ذلك عبد الملك ضرب طارقاً.
.
وروى ابن عساكر في ترجمة الحجاج:
أنه لما قتل ابن الزبير ارتجت مكة بكاء على عبد الله بن الزبير
رحمه الله،
فخطب الحجاج الناس فقال:
.
أيها الناس ! إن عبد الله بن الزبير كان من خيار هذه الأمة
حتى رغب في الخلافة ونازعها أهلها وألحد في الحرم فأذاقه من عذابه الأليم،
وإن آدم كان أكرم على الله من ابن الزبير، وكان في الجنة وهي أشرف من مكة،
فلما خالف أمر الله وأكل من الشجرة التي نهي عنها أخرجه الله من الجنة، قوموا
إلى صلاتكم يرحمكم الله.
.
وقيل: إنه قال: يا أهل مكة إكباركم واستعظامكم قتل ابن الزبير،
فإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الدنيا ونازع الخلافة أهلها
فخلع طاعة الله وألحد في حرم الله، ولو كانت مكة شيئاً يمنع القضاء لمنعت آدم حرمة الجنة
وقد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء.
.
فلما عصاه أخرجه من الجنة وأهبطه إلى الأرض،
وآدم أكرم على الله من ابن الزبير، وإن ابن الزبير غَيَّرَ كتاب الله.
.
فقال له عبد الله بن عمر:
لو شئت أن أقول لك كذبت لقلت
والله إن ابن الزبير لم يغير كتاب الله،
بل كان قواماً به صواماً، عاملاً بالحق.
.
ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك بما وقع،
وبعث برأس ابن الزبير مع رأس عبد الله بن صفوان،
وعمارة بن حزم إلى عبد الملك، ثم أمرهم إذا مروا بالمدينة
أن ينصبوا الرؤس بها، ثم يسيروا بها إلى الشام، ففعلوا ما أمرهم به
وأرسل بالرؤس مع رجل من الأزد فأعطاه عبد الملك خمسمائة دينار،ثم دعا
بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحاً بمقتل ابن الزبير عليهم
من الله ما يستحقون.
.
ثم أمر الحجاج بجثة ابن الزبير
فصلبت على ثنية كدا عند الحجون، يقال: منكسة،
فما زالت مصلوبة، حتى مر به عبد الله بن عمر فقال:
رحمة الله عليك يا أبا خبيب، أما والله لقد كنت صواماً قواماً.
.
ثم قال:
أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فبعث الحجاج فأنزل عن الجذع ودفن هناك.
(ج/ص: 8/367)
.
ودخل الحجاج إلى مكة فأخذ البيعة من أهلها إلى عبد الملك بن مروان،
ولم يزل الحجاج مقيماً بمكة حتى أقام للناس الحج عامه هذا أيضاً
وهو على مكة واليمامة واليمن.
.