بسم الله الرحمن الرحيم
الإستراتيجيات العشرة للتحكم في الشعوب (من قبل الإعلام)
البروفيسور نعوم تشاومسكي يشرح عشرة سياسات يستخدمها الإعلام للتحكم بالشعوب. سننشرها على مراحل بإذن الله مع شيء من الاختصار، راجين من القارئ أن يقارن بواقع الأنظمة في العالم الإسلامي عندما تتكلم وسائل الإعلام عن بطولاتها في الإمساك بـ"خلية إرهابية" كانت تخطط لقتل المدنيين وزعزعة الأمن في البلاد. ففي الوقت الذي تُكتشف فيه تكنولوجيا متطورة وأدوية حديثة في دول العالم المستعمِر، تقتصر دول العالم الإسلامي على اكتشاف "خلايا إرهابية" على حد زعمها، فتكافأ بـ"معونات" مالية من أمريكا التي تحرص كل الحرص على حماية أرواح المسلمين وتأمينهم في بلادهم –كما عهدناها!
سنذكر اليوم اثنتين من هذه الاستراتيجيات التي ذكرها تشاومسكي:
(1) استراتيجيّة الإلهاء:
هذه الاستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الإهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، وبيولوجيا الأعصاب. "حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا ثم منشغلا ثم منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، حتى يعود للحظيرة مع بقيّة الحيوانات!"
(2)ابتكر المشاكل ... ثم قدّم الحلول:
هذه الطريقة تسمّى أيضا "المشكلة، ردّة الفعل، الحل". في الأول نبتكر مشكلة أو "موقفا" متوقعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، حتى يطالب بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا: ترك العنف الحضري يتنامى، أو افتعال تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته، أو: ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبّل تردّي الخدمات العمومية كشرّ لا بدّ منه.
(3) استراتيجيّة التدرّج:
لكي يتم قبول اجراء غير مقبول، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة على مدى سنوات، مثل الحقنة الوريدية التي تقطر قطرة قطرة! وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف الاجتماعية واقتصاديّة الجديدة خلال الثمانينات والتسعينات من القرن السابق من خصخصة لمؤسسات القطاع العام و بطالة بنسب عالية ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.
تعليق: تسمح بعض الانظمة بـ"تسرب" معلومات تحدث ضجة كبيرة ضدها في البداية مع أنه كان بإمكانها إخفاؤها او إنكارها، لكن كأنها تريد تعويد الشعوب على تقبل هذه السلوكيات التي تنضوي على خيانة أو تواطؤ مع العدو أو اختلاس للمال العام. وهنا يتدخل المغفلون من الشعب ليطالبوا بمنح هذه الأنظمة فرصة ويقللون من شأن هذه السلوكيات المنحرفة الخطيرة إلى أن تخف وطأتها على النفوس ويصبح بإمكان هذه الأنظمة أن تخطو الخطوة التالية في اتجاه الهاوية.
أيضا في بعض بلاد المسلمين بيعت مؤسسات القطاع العام وخصخصت بالتدريج ليستفيق الشعب بعد سنوات على حقيقة أنه أصبح مجموعة من العبيد العاملين لدى ملاكٍ إقطاعيين أجانب أو عرب!
(4) استراتيجيّة المؤجَّل:
وهي طريقة أخرى يتم الإلتجاء إليها من أجل إكساب القرارات المكروهة القبول وحتّى يتمّ تقديمها كدواء "مؤلم ولكنّه ضروري"، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. فقبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة. أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن "كل شيء سيكون أفضل في الغد"، وأنّه سيكون بإمكانه تفادي التّضحية المطلوبة في المستقبل. وأخيرا، يُترك كلُّ هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة التغيير ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها.
(5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار:
تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا. ويزداد استخدام الإعلام لهذه النبرة كلما كانت المعلومة أكثر مغالطة وتضليلا. لماذا؟ لأننا إذا خاطبنا المشاهد على أنه طفل مجرد من النقد والتحليل فستكون ردة فعله على الأغلب كردة فعل هذا الطفل الصغير-خالية من النقد والتحليل! (أحال الكاتب هنا على كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)
تعليق: يسمى هذا الأسلوب لدى التربويين بالإيحاء. فنحن عندما نريد أن نشعر الطفل بالثقة بنفسه ونستخرج كوامن طاقاته فإننا نخاطبه بلغة الكبار. في المقابل يستخدم لغة طفولية مع البالغين. يظهر ذلك جليا جدا في الأخبار عن "المجموعات الإرهابية" التي جاءت لتقوم بتفجيرات دموية تستهدف المدنيين الآمنين حقدا على حريتهم وإنسانيتهم، وتريد التضييق على المرأة لأنها تحتقرها، وتقصف المولات والتجمعات السكنية بالصواريخ لإحداث البلبلة وزعزعة الاستقرار.
تحس نفسك وأنت تجلس أمام شاشة التلفاز وتتابع نشرة الأخبار في بعض الدول، أو تقرأ الصحف الرسمية، وكأنك في فيلم كرتون عن الغول أو الوحش أو زومبي الذي جاء ليمتص الدماء ويحدث الدمار لولا أبطال النينجا الذين تدخلوا في اللحظة الأخيرة بطريقة هوليوودية رامبووية لإنقاذ السكان وإلقاء القبض على الوحش!
أما قوله (ويزداد استخدام الإعلام لهذه النبرة كلما كانت المعلومة أكثر مغالطة وتضليلا) فيذكرني بما رأيته على محطة تلفاز أمريكية عام 2—1 بعد بدء الحرب الأمريكية على الطالبان في أفغانستان حين أطل علينا المتحدث باسم البنتاغون ليقول: (وكما نعلم فإن المصدر الرئيسي لتمويل الطالبان هو زراعة المخدرات، لذلك فقد قمنا باستهداف مستودعات المخدرات)!!!!!!!!!!
هذه الطريقة في استحمار واستهبال الشعب تعقد لسانك وتبهتك فلا تدري ما تقول!! وهي أفضل طريقة لمن يريد مغالطة الحقيقة...خاطبهم كالأطفال!
د. إياد قنيبي