القصة ذكرها ابن قدامة في "كتاب التوابين" (ص: 124) ، فقال :
وروي عن مالك بن دينار ، أنه سئل عن سبب توبته فقال : " كنت شرطيًا ، وكنت منهمكا على شرب الخمر ، ثم إنني اشتريت جارية نفيسة ، ووقعت مني أحسن موقع ، فولدت لي بنتا ، فشغفت بها ، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا ، وألفتني وألفتها .
قال : فكنت إذا وضعت المسكر بين يدي ، جاءت إلي وجاذبتني عليه ، وهرقته من ثوبي .
فلما تم لها سنتان ماتت ، فأكمدني حزنها .
فلما كانت ليلة النصف من شعبان ، وكانت ليلة الجمعة ، بت ثملا من الخمر ، ولم أُصلّ فيها عشاء الآخرة ، فرأيت فيما يرى النائم : كأنَّ القيامة قد قامت ، ونفخ في الصور ، وبعثرت القبور ، وحشر الخلائق وأنا معهم ، فسمعت حسَّا من ورائي ، فالتفت ، فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون ، أسود أزرق ، قد فتح فاه مسرعا نحوي .
فمررت بين يديه هاربا فزعًا مرعوبًا ، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، فقلت: أيها الشيخ ! أجرني من هذا التنين أجارك الله .
فبكى الشيخ ، وقال لي : أنا ضعيف ، وهذا أقوى مني ، وما أقدر عليه ، ولكن مرّ وأسرع ، فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه .
فوليت هاربا على وجهي ، فصعدت على شرف من شرف القيامة ، فأشرفت على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها ، وكدت أهوي فيها من فزع التنين ، فصاح بي صائح : ارجع ، فلست من أهلها! فاطمأننت إلى قوله ، ورجعت .
ورجع التنين في طلبي ، فأتيت الشيخ فقلت : يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين، فلم تفعل، فبكى الشيخ ، وقال : أنا ضعيف ، ولكن سر إلى هذا الجبل ، فإن فيه ودائع المسلمين ، فإن كان لك فيه وديعة ، فستنصرك .
قال : فنظرت إلى جبل مستدير من فضة ، وفيه كُوى مخرمة ، وستور معلقة ، على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الأحمر ، مفصلة باليواقيت ـ مكوكبة بالدر ، على كل مصراع ستر من الحرير ، فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربًا والتنين من ورائي ، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة : ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا ! فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه ، فإذا الستور قد رفعت ، والمصاريع قد فتحت ، فأشرف علي من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار ، وقرب التنين مني ، فتحيرت في أمري .
فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه .
فأشرفوا فوجا بعد فوج ، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت علي معهم ، فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله ، ثم وثبت في كفة من نور ، كرمية السهم ، حتى مثلت بين يدي ، فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ، ومدت يدها اليمنى إلى التنين ، فولى هاربا.
ثم أجلستني وقعدت في حجري ، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي ، وقالت : يا أبت ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) [الحديد: 16] .
فبكيت وقلت : يا بنية ! وأنتم تعرفون القرآن ؟ فقالت : يا أبت ! نحن أعرف به منكم .
قلت: فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني ؟
قالت : ذلك عملك السوء ، قويته ، فأراد أن يغرقك في نار جهنم.
قلت : فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي ؟
قالت : يا أبت ! ذلك عملك الصالح ، أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء .
قلت: يا بنية ! وما تصنعون في هذا الجبل ؟
قالت : نحن أطفال المسلمين ، قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ، ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم .
قال مالك : فانتبهت فزعا ، وأصبحت ، فأرقت المسكر ، وكسرت الآنية وتبت إلى الله - عز وجل - وهذا كان سبب توبتي " انتهى.