منتدى المؤمنين والمؤمنات
عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فأتاهُ رجلٌ فَناداهُ : يا عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ ، ما تَرى في رجُلٍ قتلَ مُؤمنًا متعمِّدًا ؟ فقالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قالَ : أفرأيتَ إِن تابَ وعملَ صالحًا ثمَّ اهتَدى ؟ قالَ ابنُ عبَّاسٍ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، وأنَّى لَهُ التَّوبةُ والهُدى ؟ والَّذي نَفسي بيدِهِ ! لقَد سَمِعْتُ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، قاتِلُ مؤمنٍ متعمِّدًا ، جاءَ يومَ القيامةِ آخذَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ ، تشخَبُ أوداجُهُ في قِبَلِ عرشِ الرَّحمنِ ، يلزمُ قاتلَهُ بيدِهِ الأخرى ، يقولُ : يا ربِّ سَل هذا فيمَ قتلَني ؟ وأيمُ الَّذي نفسُ عبدِ اللَّهِ بيدِهِ ! لقد أُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ ، فما نسخَتها مِن آيةٍ حتَّى قُبِضَ نبيُّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وما نَزل بعدَها مِن بُرهانٍ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/552
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
منتدى المؤمنين والمؤمنات
عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فأتاهُ رجلٌ فَناداهُ : يا عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ ، ما تَرى في رجُلٍ قتلَ مُؤمنًا متعمِّدًا ؟ فقالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قالَ : أفرأيتَ إِن تابَ وعملَ صالحًا ثمَّ اهتَدى ؟ قالَ ابنُ عبَّاسٍ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، وأنَّى لَهُ التَّوبةُ والهُدى ؟ والَّذي نَفسي بيدِهِ ! لقَد سَمِعْتُ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، قاتِلُ مؤمنٍ متعمِّدًا ، جاءَ يومَ القيامةِ آخذَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ ، تشخَبُ أوداجُهُ في قِبَلِ عرشِ الرَّحمنِ ، يلزمُ قاتلَهُ بيدِهِ الأخرى ، يقولُ : يا ربِّ سَل هذا فيمَ قتلَني ؟ وأيمُ الَّذي نفسُ عبدِ اللَّهِ بيدِهِ ! لقد أُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ ، فما نسخَتها مِن آيةٍ حتَّى قُبِضَ نبيُّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وما نَزل بعدَها مِن بُرهانٍ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/552
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
منتدى المؤمنين والمؤمنات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المؤمنين والمؤمنات

-- قال صلى الله عليه وسلم وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها و نهارها سواء “
 
الرئيسيةاليوميةالأحداثمكتبة المنتدىالمنشوراتس .و .جبحـثالتسجيلدخولاالمواضيع اليوميه النشيطه
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. ...
فهذه رسالة مختصرة إلى أهل الثغور في الشام،
وكما لهم حق النصرة فلهم حق النصيحة، فأقول:١
1--
عليكم بالاجتماع، فإن لم تجتمعوا على كمالٍ في الحق فلا تتفرقوا
بسبب نقص بعضكم، لا تفرقكم بدعة ومعصية فإنكم تقابلون كفرًا،
فقد اجتمع المسلمون على قتال العبيديين وقائدهم خارجي،
وقاتل ابن تيمية التتار ومعه أهل بدع.




٢---
بالفرقة تُهزم الكثرة، وبالاجتماع تنصر القلة، ولن تنتصروا حتى تقتلوا هوى النفس قبل قتل العدو، فالهوى يقلب موازين العداوات فتنتصر النفوس لهواها وتظن أنها تنتصر لربها،
وقليل الذنوب يُفرق القلوب، قال النبي ﷺ: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) لم يمتثلوا باستواء صفوف الصلاة فتسبب بانـحراف القلوب،
فكيف بانـحراف صفوف الجهاد ولقاء العدو، فإن اختلفت القلوب فالتمسوا سبب ذلك في سوء الأعمال .


3---- إنكم في مقام اصطفاء ومقام ابتلاء، فمن أعلى مراتب الجنة جُعلت لمقاتلٍ قاتل لله، وأول مَن تُسَّعَر بهم النار مقاتل قاتل لهواه . ٤)---- إياكم وحب الاستئثار بالأمر وقد حذّر النبي ﷺ من (الأثَرَة) فاجعلوا همّكم نصرة الدين لا صدارة حزب وجماعة .

٥) ----
لا تخدعكم الألقاب فتوالوا لها وتعادوا عليها، فالله لا ينظر إلى ألويتكم وراياتكم وأسماء جماعاتكم، بل ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم،
لا تختصموا على اسمٍ فمهما بلغت أسماؤكم شرفاً فلن تكون أعظم شرفاً من كلمة (رسول الله) حيث محاها رسول الله بيده من صلح الحديبية
عندما نازعه المشركون عليها وذلك حتى يُمضي الحق وصالح الأمة .

٦)
----



العبرة بأعمالكم، فما ينفع (حزب الله) اسمه عند الله

٧)
 
لا يجوز لأحدٍ أن يجعل جماعته وحزبه قطبَ رحى الولاء والعداء، فلا يرى البيعة إلا له ولا يرى الإمارة إلا فيه،
ومن رأى في نفسه ذلك من دون بقية المسلمين فهو من الذين قال الله فيهم (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء)
قال ابن عباس لما قرأ هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم
إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله
وبالاختلاف والتنازع يذهب النصر (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) قال قتادة: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم .
٨) ---
لا يصح فيكم اليوم وأنتم في قتال وجماعات أن ينفرد أحدٌ ببيعة عامة يستأثر بها ولوازمها عن غيره وإنما هي بيعة جهاد
وقتال وثبات وصبر وإصلاح ونـحو ذلك، ولا يصح من أحدٍ أن ينفرد بجماعة منكم فيُسمى (أمير المؤمنين) وإنما أمير الجيش
أو الجند أو الغزو، فالولايات العامة مردّها إلى شورى المؤمنين لا إلى آحادٍ منهم، والألقاب استئثار تفضي إلى نزاع وقتال
وفتنة وشر، وإنما صحت الولاية الكبرى من النبي ﷺ لأنه ليس في الأرض مسلم سواه ومن معه، وليس في
الأرض خير من نبي ولا أحق بالأمر منه، فلو استأثر فهو نبي لا يرجع لأحدٍ ويرجع إليه كل أحد .

9---- لا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، فاتقوا الله في دمائكم، واحذروا مداخل الشيطان في تسويغ القتل وتبريره فتأخذوا أحداً بظن العمالة أو التجسس
أو التخذيل فالله حذر من الظنون التي تفسد أمر الأمة وتفرق شملها (اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم)
ولا تجوز طاعة أميرٍ في قتل مسلم معصوم ومن أُمر بحرام كقتل معصومٍ فلا تجوز طاعته ولا بيعته حتى بيعة قتال،
 ولو بايعه فبيعته منقوضة، ولا يجوز لأحدٍ أن يمتثل أمرًا ظاهره التحريم  حتى يتيقن من جوازه بعلمٍ وإن جهل سأل من يعلم،
حتى لا يلقى الله بدم أو مال حرام، فيُفسد آخرته بجهل أو تأويل غيره، فالله يؤاخذ كل نفس بما كسبت (كل نفس بما كسبت رهينةٍ)
ولا أعظم بعد الشرك من الدم الحرام .

تابع 9 ----

فقد صح من حديث ابن عمر، أن النبي ﷺ أمّر خالد بن الوليد إلى جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون:

صبأنا، صبأنا، فأمر خالد بقتل أسراهم، فقال ابن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره،

قال: فقدموا على النبي ﷺ فذكروا له صنيع خالد، فقال النبي ﷺ ورفع يديه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين .

فقد عصوا خالدًا لما اشتبه عليهم الأمر، وهذا في دماءِ من الأصل فيه الكفر فكيف بدم من الأصل فيه الإسلام ؟!

10 ----

عند النزاع انزلوا إلى حكم الله كما أمر الله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)
وقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
فالنزول عند حكم الله إيمان والنفرة منه نفاق، وإن اختلف اثنان أو جماعتان فليتحاكموا
إلى ثالث من غيرهم، دفعاً لتهمة المحاباة، فقد ورد في الحديث عنه ﷺ قال: (لا تجوز شهادة خصم ولا ظنّين)
وفي الحديث الآخر: (لا تجوز شهادة ذي غمر (عداوة) لأخيه، ولا مجرب شهادة،
ولا القانع (أي التابع) لأهل البيت، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة)
وقد جاء معناه من طرق متعددة يشد بعضه بعضاً، وهذا في الشهادة وفي القضاء من باب أولى

١١)

احفظوا ألسنتكم فإن الوقيعة في أعراض بعضكم تزيد من أحقادكم على بعضكم، فما يزال الواحد واقعاً
في عرض أخيه حتى يمتلىء قلبه حقدًا وغلاً عليه فيُصدّق فيه ظن السوء ويُكذّب فيه يقين الخير .



١٢)
أحسنوا الظن بالعلماء ورثة الأنبياء واحفظوا قدرهم بالرجوع إليهم والصدور عن قولهم،
وأحسنوا الظن بهم واحملوا أقوالهم على أحسن المحامل، فمدادهم في نصرة الحق أثرها عظيم
وقد جاء عن جماعة من السلف (مداد العلماء أثقل في الميزان من دماء الشهداء)

13)

لا تُرحم الأمة إلا إذا تراحمت فيما بينها، ومحبة الله للمجاهدين ونصرته لهم معقودة
برحمتهم بالمؤمنين وتواضعهم لهم، وعزتهم على الكافرين، فإن من صفات المجاهدين
ما ذكره الله في قوله تعالى
: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).



ومن الله استمدوا النصر والعون هو المولى فنعم المولى ونعم النصير .



الشيخ عبدالعزيز الطريفي ١٧/ من ذي القعدة / ١٤٣٤ هـ
.

 

 السر الأعظم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بشرى الإسلام
المشرفه العامه
المشرفه العامه
بشرى الإسلام

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


السر الأعظم  Empty
مُساهمةموضوع: السر الأعظم    السر الأعظم  I_icon_minitime9/6/2020, 6:02 am

بسم الله الرحمن الرحيم


فرح الله بتوبة التائب







يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين 


ومنها : السر الأعظم ، الذي لا تقتحمه العبارة ، ولا تجسر عليه الإشارة ، ولا ينادي عليه منادي الإيمان على رؤوس الأشهاد ، بل شهدته قلوب خواص العباد ، فازدادت به معرفة لربها ومحبة له ، وطمأنينة به وشوقا إليه ، ولهجا بذكره ، وشهودا لبره ، ولطفه وكرمه وإحسانه ، ومطالعة لسر العبودية ، وإشرافا على حقيقة الإلهية ، وهو ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أفرح بتوبة عبده - حين يتوب إليه - من أحدكم ، كان على راحلة بأرض فلاة ، فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ، ثم قال - من شدة الفرح - اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح هذا لفظ مسلم .


وفي الحديث من قواعد العلم : أن اللفظ الذي يجري على لسان العبد خطأ من فرح شديد ، أو غيظ شديد ، ونحوه ، لا يؤاخذ به ، ولهذا لم يكن هذا كافرا بقوله : أنت عبدي وأنا ربك .


ومعلوم أن تأثير الغضب في عدم القصد يصل إلى هذه الحال ، أو أعظم منها ، فلا ينبغي مؤاخذة الغضبان بما صدر منه في حال شدة غضبه من نحو هذا الكلام ، ولا يقع طلاقه بذلك ، ولا ردته ، وقد نص الإمام أحمد على تفسير الإغلاق في قوله صلى الله عليه وسلم لا طلاق في إغلاق بأنه الغضب ، وفسره به غير واحد من الأئمة ، وفسروه بالإكراه والجنون .


قال شيخنا : وهو يعم هذا كله ، وهو من الغلق ، لانغلاق قصد المتكلم عليه ، فكأنه لم ينفتح قلبه لمعنى ما قاله .


والقصد : أن هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته ، وما يليق بعز جلاله .


وقد كان الأولى بنا طي الكلام فيه إلى ما هو اللائق بأفهام بني الزمان وعلومهم ، ونهاية أقدامهم من المعرفة ، وضعف عقولهم عن احتماله .


غير أنا نعلم أن الله عز وجل سيسوق هذه البضاعة إلى تجارها ، ومن هو عارف بقدرها ، وإن وقعت في الطريق بيد من ليس عارفا بها ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .


فاعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرمه وفضله ، وشرفه ، وخلقه لنفسه ، وخلق كل شيء له ، وخصه من معرفته ومحبته وقربه وإكرامه بما لم يعطه غيره ، وسخر له ما في سماواته وأرضه وما بينهما ، حتى ملائكته - الذين هم أهل قربه - استخدمهم له ، وجعلهم حفظة له في منامه ويقظته ، وظعنه وإقامته ، وأنزل إليه وعليه كتبه ، وأرسله وأرسل إليه ، وخاطبه وكلمه منه إليه ، واتخذ منهم الخليل والكليم ، والأولياء والخواص والأحبار ، وجعلهم معدن أسراره ، ومحل حكمته ، وموضع حبه ، وخلق لهم الجنة والنار ، وخلق الأمر ، والثواب والعقاب مداره على النوع الإنساني ، فإنه خلاصة الخلق ، وهو المقصود بالأمر والنهي ، وعليه الثواب والعقاب .


فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات ، وقد خلق أباه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وأظهر فضله على الملائكة فمن دونهم من جميع المخلوقات ، وطرد إبليس عن قربه ، وأبعده عن بابه ، إذ لم يسجد له مع الساجدين ، واتخذه عدوا له .


فالمؤمن من نوع الإنسان خير البرية على الإطلاق ، وخيرة الله من العالمين ، فإنه خلقه ليتم نعمته عليه ، وليتواتر إحسانه إليه ، وليخصه من كرامته وفضله بما لم تنله أمنيته ، ولم يخطر على باله ولم يشعر به ، ليسأله من المواهب والعطايا الباطنة والظاهرة العاجلة والآجلة ، التي لا تنال إلا بمحبته ، ولا تنال محبته إلا بطاعته ، وإيثاره على ما سواه ، فاتخذه محبوبا له ، وأعد له أفضل ما يعده محب غني قادر جواد لمحبوبه إذا قدم عليه ، وعهد إليه عهدا تقدم إليه فيه بأوامره ونواهيه ، وأعلمه في عهده ما يقربه إليه ، ويزيده محبة له وكرامة عليه ، وما يبعده منه ويسخطه عليه ، ويسقطه من عينه .


وللمحبوب عدو ، هو أبغض خلقه إليه ، قد جاهره بالعداوة ، وأمر عباده أن يكون دينهم وطاعتهم وعبادتهم له ، دون وليهم ومعبودهم الحق ، واستقطع عباده ، واتخذ منهم حزبا ظاهروه ووالوه على ربهم ، وكانوا أعداء له مع هذا العدو ، يدعون إلى سخطه ، ويطعنون في ربوبيته وإلهيته ووحدانيته ، ويسبونه ويكذبونه ، ويفتنون أولياءه ، ويؤذونهم بأنواع الأذى ، ويجهدون على إعدامهم من الوجود وإقامة الدولة لهم ، ومحو كل ما يحبه الله ويرضاه ، وتبديله بكل ما يسخطه ويكرهه ، فعرفه بهذا العدو وطرائقهم وأعمالهم وما لهم ، وحذره موالاتهم والدخول في زمرتهم والكون معهم .


وأخبره في عهده أنه أجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبقت رحمته غضبه ، وحلمه عقوبته ، وعفوه مؤاخذته ، وأنه قد أفاض على خلقه النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة ، وأنه يحب الإحسان والجود والعطاء والبر ، وأن الفضل كله بيده


، والخير كله منه ، والجود كله له ، وأحب ما إليه أن يجود على عباده ويوسعهم فضلا ، ويغمرهم إحسانا وجودا ، ويتم عليهم نعمته ، ويضاعف لديهم منته ، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه ، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه .


فهو الجواد لذاته ، وجود كل جواد خلقه الله ، ويخلقه أبدا أقل من ذرة بالقياس إلى جوده ، فليس الجواد على الإطلاق إلا هو ، وجود كل جواد فمن جوده ، ومحبته للجود والإعطاء والإحسان ، والبر والإنعام والإفضال فوق ما يخطر ببال الخلق ، أو يدور في أوهامهم ، وفرحه بعطائه وجوده وإفضاله أشد من فرح الآخذ بما يعطاه ويأخذه ، أحوج ما هو إليه أعظم ما كان قدرا ، فإذا اجتمع شدة الحاجة وعظم قدر العطية والنفع بها ، فما الظن بفرح المعطي ؟ ففرح المعطي سبحانه بعطائه أشد وأعظم من فرح هذا بما يأخذه ، ولله المثل الأعلى ، إذ هذا شأن الجواد من الخلق ، فإنه يحصل له من الفرح والسرور ، والابتهاج واللذة بعطائه وجوده فوق ما يحصل لمن يعطيه ، ولكن الآخذ غائب بلذة أخذه ، عن لذة المعطي ، وابتهاجه وسروره ، هذا مع كمال حاجته إلى ما يعطيه وفقره إليه ، وعدم وثوقه باستخلاف مثله ، وخوف الحاجة إليه عند ذهابه ، والتعرض لذل الاستعانة بنظيره ومن هو دونه ، ونفسه قد طبعت على الحرص والشح .


فما الظن بمن تقدس وتنزه عن ذلك كله ؟ ولو أن أهل سماواته وأرضه ، وأول خلقه وآخرهم ، وإنسهم وجنهم ، ورطبهم ويابسهم ، قاموا في صعيد واحد فسألوه ، فأعطى كل واحد ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة .


وهو الجواد لذاته ، كما أنه الحي لذاته ، العليم لذاته ، السميع البصير لذاته ، فجوده العالي من لوازم ذاته ، والعفو أحب إليه من الانتقام ، والرحمة أحب إليه من العقوبة ، والفضل أحب إليه من العدل ، والعطاء أحب إليه من المنع .


فإذا تعرض عبده ومحبوبه الذي خلقه لنفسه ، وأعد له أنواع كرامته ، وفضله على غيره ، وجعله محل معرفته ، وأنزل إليه كتابه ، وأرسل إليه رسوله ، واعتنى بأمره ولم يهمله ، ولم يتركه سدى ، فتعرض لغضبه ، وارتكب مساخطه وما يكرهه وأبق منه ، ووالى عدوه وظاهره عليه ، وتحيز إليه ، وقطع طريق نعمه وإحسانه إليه التي هي أحب شيء إليه ، وفتح طريق العقوبة والغضب والانتقام فقد استدعى من الجواد الكريم خلاف ما هو موصوف به من الجود والإحسان والبر ، وتعرض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه ، وأن يصير غضبه وسخطه في موضع رضاه ، وانتقامه وعقوبته في موضع كرمه وبره وعطائه ، فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحب إليه منه ، وخلاف ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان .


فبينما هو حبيبه المقرب المخصوص بالكرامة ، إذ انقلب آبقا شاردا ، رادا لكرامته ، مائلا عنه إلى عدوه ، مع شدة حاجته إليه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين .


فبينما ذلك الحبيب مع العدو في طاعته وخدمته ، ناسيا لسيده ، منهمكا في موافقة عدوه ، قد استدعى من سيده خلاف ما هو أهله إذ عرضت له فكرة فتذكر بر سيده وعطفه وجوده وكرمه ، وعلم أنه لا بد له منه ، وأن مصيره إليه ، وعرضه عليه ، وأنه إن لم يقدم عليه بنفسه قدم به عليه على أسوأ الأحوال ، ففر إلى سيده من بلد عدوه ، وجد في الهرب إليه حتى وصل إلى بابه ، فوضع خده على عتبة بابه ، وتوسد ثرى أعتابه ، متذللا متضرعا ، خاشعا باكيا آسفا ، يتملق سيده ويسترحمه ، ويستعطفه ويعتذر إليه ، قد ألقى بيده إليه ، واستسلم له وأعطاه قياده ، وألقى إليه زمامه ، فعلم سيده ما في قلبه ، فعاد مكان الغضب عليه رضا عنه ، ومكان الشدة عليه رحمة به ، وأبدله بالعقوبة عفوا ، وبالمنع عطاء ، وبالمؤاخذة حلما ، فاستدعى بالتوبة والرجوع من سيده ما هو أهله ، وما هو موجب أسمائه الحسنى ، وصفاته العليا ، فكيف يكون فرح سيده به ؟ وقد عاد إليه حبيبه ووليه طوعا واختيارا ، وراجع ما يحبه سيده منه برضاه ، وفتح طريق البر والإحسان والجود ، التي هي أحب إلى سيده من طريق الغضب والانتقام والعقوبة ؟ .


وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه حصل له شرود وإباق من سيده ، فرأى في بعض السكك بابا قد فتح ، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي ، وأمه خلفه تطرده ، حتى خرج ، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت ، فذهب الصبي غير بعيد ، ثم وقف مفكرا ، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ، ولا من يئويه غير والدته ، فرجع مكسور القلب حزينا ، فوجد الباب مرتجا ، فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام ، فخرجت أمه ، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه ، والتزمته تقبله وتبكي ، وتقول : يا ولدي ، أين تذهب عني ؟ ومن يئويك سواي ؟ ألم أقل لك : لا تخالفني ، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك ، والشفقة عليك ، وإرادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .


فتأمل قول الأم : لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .


وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟


فإذا أغضبه العبد


بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه ، فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به .


فهذه نبذة يسيرة تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح هذا الواجد لراحلته في الأرض المهلكة ، بعد اليأس منها .


ووراء هذا ما تجفو عنه العبارة ، وتدق عن إدراكه الأذهان .


وإياك وطريقة التعطيل والتمثيل ، فإن كلا منهما منزل ذميم ، ومرتع على علاته وخيم ، ولا يحل لأحدهما أن يجد روائح هذا الأمر ونفسه ، لأن زكام التعطيل والتمثيل مفسد لحاسة الشم ، كما هو مفسد لحاسة الذوق ، فلا يذوق طعم الإيمان ، ولا يجد ريحه ، والمحروم كل المحروم من عرض عليه الغنى والخير فلم يقبله ، فلا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بشرى الإسلام
المشرفه العامه
المشرفه العامه
بشرى الإسلام

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


السر الأعظم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: السر الأعظم    السر الأعظم  I_icon_minitime15/8/2020, 7:07 am

الموضوع السابق إذا نظرت إلى تعلق الفرح الإلهي بالإحسان والجود والبر .


ويكمل ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين عن سبب فرح الله بتوبة عبده فيقول:

وأما إن لاحظت تعلقه بإلهيته وكونه معبودا فذاك مشهد أجل من هذا وأعظم منه ، وإنما يشهده خواص المحبين .

فإن الله سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لمحبته والخضوع له وطاعته ، وهذا هو الحق الذي خلقت به السماوات والأرض ، وهو غاية الخلق والأمر ، ونفيه - كما يقول أعداؤه - هو الباطل ، والعبث الذي نزه الله نفسه عنه ، وهو السدى الذي نزه نفسه عنه أن يترك الإنسان عليه ، وهو سبحانه يحب أن يعبد ويطاع ولا يعبأ بخلقه شيئا لولا محبتهم له ، وطاعتهم له ، ودعاؤهم له .


وقد أنكر على من زعم أنه خلقهم لغير ذلك ، وأنهم لو خلقوا لغير عبادته وتوحيده وطاعته لكان خلقهم عبثا وباطلا وسدى ، وذلك مما يتعالى عنه أحكم الحاكمين ، والإله الحق ، فإذا خرج العبد عما خلق له من الطاعة والعبودية ، فقد خرج عن أحب الأشياء إليه ، وعن الغاية التي لأجلها خلقت الخليقة ، وصار كأنه خلق عبثا لغير شيء ، إذ لم تخرج أرضه البذر الذي وضع فيها ، بل قلبته شوكا ودغلا ، فإذا راجع ما خلق له وأوجد لأجله فقد رجع إلى الغاية التي هي أحب الأشياء إلى خالقه وفاطره ، ورجع إلى مقتضى الحكمة التي خلق لأجلها ، وخرج عن معنى العبث والسدى والباطل ، فاشتدت محبة الرب له ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، فأوجبت هذه المحبة فرحا كأعظم ما يقدر من الفرح ، ولو كان في الفرح المشهود في هذا العالم نوع أعظم من هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لذكره ، ولكن لا فرحة أعظم من فرحة هذا الواجد الفاقد لمادة حياته وبلاغه في سفره ، بعد إياسه من أسباب الحياة بفقده ، وهذا كشدة محبته لتوبة التائب المحب إذا اشتدت محبته للشيء وغاب عنه ثم وجده وصار طوع يده ، فلا فرحة أعظم من فرحته به .

فما الظن بمحبوب لك تحبه حبا شديدا ، أسره عدوك ، وحال بينك وبينه ، وأنت تعلم أن العدو سيسومه سوء العذاب ، ويعرضه لأنواع الهلاك ، وأنت أولى به منه ، وهو غرسك وتربيتك ، ثم إنه انفلت من عدوه ، ووافاك على غير ميعاد ، فلم يفجأك إلا وهو على بابك ، يتملقك ويترضاك ويستعينك ، ويمرغ خديه على تراب أعتابك ، فكيف يكون فرحك به ، وقد اختصصته لنفسك ، ورضيته لقربك ، وآثرته على سواه ؟

هذا ، ولست الذي أوجدته وخلقته ، وأسبغت عليه نعمك ، والله عز وجل هو الذي أوجد عبده ، وخلقه وكونه ، وأسبغ عليه نعمه ، وهو يحب أن يتمها عليه ، فيصير مظهرا لنعمه ، قابلا لها ، شاكرا لها ، محبا لوليها ، مطيعا له عابدا له ، معاديا لعدوه ، مبغضا له عاصيا له ، والله تعالى يحب من عبده معاداة عدوه ، ومعصيته ومخالفته ، كما يحب أن يتولى الله مولاه سبحانه ويطيعه ويعبده ، فتنضاف محبته لعبادته وطاعته والإنابة إليه ، إلى محبته لعداوة عدوه ، ومعصيته ومخالفته ، فتشتد المحبة منه سبحانه ، مع حصول محبوبه ، وهذا هو حقيقة الفرح .

وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب المتقدمة " عبدي الذي سرت به نفسي " وهذا لكمال محبته له ، جعله مما تسر نفسه به سبحانه .

ومن هذا ضحكه سبحانه من عبده ، حين يأتي من عبوديته بأعظم ما يحبه ، فيضحك سبحانه فرحا ورضا ، كما يضحك من عبده إذا ثار عن وطائه وفراشه ومضاجعة حبيبه إلى خدمته ، يتلو آياته ويتملقه .

ويضحك من رجل هرب أصحابه عن العدو ، فأقبل إليهم ، وباع نفسه لله ولقاهم نحره ، حتى قتل في محبته ورضاه .

ويضحك إلى من أخفى الصدقة عن أصحابه لسائل اعترضهم فلم يعطوه ، فتخلف بأعقابهم وأعطاه سرا ، حيث لا يراه إلا الله الذي أعطاه ، فهذا الضحك منه حبا له ، وفرحا به ، وكذلك الشهيد حين يلقاه يوم القيامة ، فيضحك إليه فرحا به وبقدومه عليه .

وليس في إثبات هذه الصفات محذور البتة ، فإنه فرح ليس كمثله شيء ، وضحك ليس كمثله شيء ، وحكمه حكم رضاه ومحبته ، وإرادته وسائر صفاته ، فالباب باب واحد ، لا تمثيل ولا تعطيل .

admin7 جزاك الله خيرا في موازين حسناتك باذن الله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السر الأعظم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المهدي وكلمة السر
» صيد الخاطر لابن الجوزي ( بين السر والعلانية)
» بر الوالدين بين السر والسريرة -الشيخ الشنقيطي
» إلى من ابتلاه الله وتأخرت استجابة دعائه هنا السر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المؤمنين والمؤمنات :: {{{{{{{{{ === منتدى المؤمنين والمؤمنات === }}}}}}}}}} :: الرقائق و أعمال القلوب-
انتقل الى: