المقالة التاسعة عشرةحتى لا تضيع فلسطين إلى الأبد 6الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
ففي 15 مارس سنة 1979م في عهد محمد نور تراقي -مؤسس الحزب الشيوعي (خلق) في أفغانستان- اتفق بعض الشباب من أبناء الحركة الإسلامية وبعض العلماء مع بعض الضباط الكبار في مدينة هرات، هَبّوا هبة رجل واحد وطهروا مؤسسات الدولة من الشيوعيين، وتسلموا إدارة دوائر الدولة.
وفزعت أجهزة نظام الحكم في كابل، واتصلوا بسيدتهم روسيا ينبئونها النبأ المفزع، فارتعدت أوصال الدب المنتفخ بما امتصه من دماء المسلمين، فأرعدت روسيا وأرغت وأزبدت، وقذفت بدباباتها ومصفحاتها، ورفعت أعلامها البيضاء كي نخدع المسلمين معلنة استسلامها، حتى إذا تقدم الشعب لاستلامها فتحت وابل رصاصها على الجموع، وأخذت تحصد الجماهير المحتشدة، ودارت معركة بين الدبابات التي تصب جام غضبها قذائف فتحيل الأرض ناراً، والطائرات التي تأكل حممها الأخضر واليابس؟؟ وتكدست جثث الشهداء في شوارع هرات، حتى أصبحت المدرعات تقري (تطعم) عجلاتها خليط اللحوم والدماء والعظام، تتعثر بحركتها بين ركام الأجساد.
وأسفرت الأيام الثلاثة ذات المعارك الشرسة بين الشعب الأعزل والجنود الحمر عن مقتل 24 ألفاً من الشعب المسلم، وكانت تاريخاً يؤرخ الناس به يوم 24 حوت سنة 1358هـ ش.
ولقد كانت قصة هرات حافزاً قوياً ووميضاً منيراً لجادة الشعب الأفغاني الذي هب بأغلبيته وفي معظم أصقاع وطنه يواجه قوى حلف وارسو، مما دفع كارلوتشي -وزير الدفاع الأمريكي لريغان- أن يجيب على سؤال من وزراء حلف الأطلسي حول سياسة غورباتشوف فقال: "لقد أجبر الشعب الأفغاني غورباتشوف أن يغير سياسته تجاه العالم أجمع".
والآن تطالعنا الأحداث بين الفينة والأخرى عن شباب بدأوا يواجهون أبناء القردة وأحفاد الخنازير بأسلحة ينتزعونها من أيدي جنودهم عنوة، فقد نقل قبل فترة أن شاباً قتل أربعة من اليهود وجرح عشرة بسكين كانت في جيبه وفي رحاب المسجد الأقصى.
وفي نابلس توافينا الأنباء عن حدوث اشتباك مسلح في شوارع أكبر مدينة فلسطينية بين ستة من الملثمين (المقنعين) -وغالباً ما نطلق هذه الكلمة على الشباب المسلمين الذين ينتمون إلى حماس- وبين دورية مسلحة من اليهود، ولم تفصح الأخبار عن تفاصيل الخسائر التي لحقت بشعب اليهود الحاقد.
وفي بلدة بورين بنابلس، نقل القادمون من الأرض المباركة قصة بطولية عن شاب اسمه حمدان النجار كان يسيم (يرعى) ماشيته قرب مستعمرة يهودية، فتعرض له أحد الجنود اليهود وزجره وهدده إن عاد إلى هذا المكان أن يؤدبه، وعاد اليهودي في اليوم التالي ليجد الشاب مصراً على موقفه وكأنه يردد:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
فتصارع معه وأخذ الشاب حجراً ضخماً ورضخ به رأس اليهودي، ثم أخذ سلاح اليهودي، فأبصر يهودياً آخر فأرداه قتيلاً، ثم كَمِن حمدان وراء جدار فمرت سيارة تقل دورية يهودية، فأطلق عليها النار فقتل ضابطاً وجندياً، فقفز جندي من السيارة ودارت بينه وبين حمدان معركة جُرح فيها اليهودي واستشهد فيها حمدان، وقد جن جنون اليهود لهذه الحادثة فأتوا إلى بيت حمدان ونسفوه.
أما آن لليوث فلسطين أن تقتفي آثار ضراغم هرات؟ ونتساءل متلهفين: ألم يئن لأبناء الأرض المباركة أن يستبدلوا السلاح بالعصا والقنبلة والحجر؟
إني لأدرك الأهوال التي تنتظر الصفوة إن غيرت أسلوبها، وأعلنت عن استعدادها للموت في مواجهة أعدائها، ولكن:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
فطوبى للباذلين بالخير: (خير الناس رجل آخذ بعنان فرسه يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها يبتغي الموت مظانه).
والنصر يجيء بالدماء وبالعناء وبالصفاح
والفوز فوز الخاضبين جسومهم بدم الجراح
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنّ لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
مجلة الجهاد - العدد الستون
ربيع الأول 1410هـ / أكتوبر 1989م