مناقشة سريعة لردود على مقال (الوقوف مع الدولة على مفترق طرق):
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
بعد مقال (الوقوف مع الدولة على مفترق طرق) صدرت عدة ردود من عدد من الإخوة. ولا يخفى أن الوقوف على كل منها سيعيق المسير، لكن ألفت النظر إلى بعض النقاط:
1. اعتراض بعض الإخوة وفقهم الله بأن العبد الفقير (أنا) لست من أهل هذا الفن الذي تكلمت فيه، إذ أن شهادتي العلمية لا علاقة لها بالعلوم الشرعية. فأقول أولا: لماذا لم يرد هذا الاعتراض إلا بعدما تكلمت عن أخطاء الإخوة في جماعة الدولة، بينما كان الإخوة المنتقدون يتناقلون كلام العبد الفقير بحفاوة أيام نقدي لمشاركة الأحزاب في العملية السياسية بمصر؟ مع أني بمعاييرهم لست من أهل ذاك الفن أيضا!
ثانيا: قد رأينا موقف فقهاء وعلماء من "أهل هذا الفن" في الأزمة المصرية. ورأينا التخبط الشديد في فقه المصلحة والمفسدة وغيره، فماذا نفعهم كونهم "من أهل هذا الفن"؟
ثالثا: قد شهد من هو أعلم وأشهر، الشيخ سليمان العلوان فكه الله من الأسر للعبد الفقير بالعلم والحكمة. فما الذي يصرف عن شهادة العلوان لشهادة إخواننا؟
ومع هذا فليس ما أستند إليه وأصول وأجول به تزكية العلماء، وإن كنت أعترف لله ثم لعلمائنا بالفضل. إنما أستند إلى قوة الدليل الذي هو الحكم بيننا.
2. يبني الإخوة رسائلهم على أساس أن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" دولة مستكملة للشروط الشرعية. لكنهم لم يـُحكموا هذا الأساس الذي إن انتقض، انتقض سائر ما في رسالتهم. مثال ذلك استدلالهم بكلام قديم للدكتور أيمن الظواهري حفظه الله. فأقول: منذ متى كان كلام بشر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا في أمر مفصلي في حياة الأمة كقيام الدولة ووجوب البيعة! ثم كيف يُستدل بكلام الدكتور أيمن وهو ذاته الذي ألغى "تمدد الدولة" ولم يعترف بقيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام"؟
الغريب لدى إخوتنا انتقاء ما يعجبهم لكل واحد وترك ما لا يوافقهم! فعلوا هذا مع د. أيمن ثم مع العبد الفقير.
3. يتمسك بعض الإخوة بأن جماعة الدولة لها أن تحتكم إلى محاكمها وقضاتها وترفض الاحتكام إلى طرف ثالث لا سلطان للمتخاصمين عليه، لماذا؟ قالوا: لأنها تستطيع إنفاذ قضائها على وجه الإلزام، بينما المحاكم الأخرى لا تستطيع أو أنها طرف في الخصومات.
وحقيقة، أتعجب من هذا التبرير الذي يسوقونه! فقد جعلوا محل النزاع دليلا! وهذا أبطل الطرق في مناقشة المسائل!
فمحل نزاعنا أن جماعة الدولة تخطئ إن قضت وأنفذت قضاءها في مسألة هي أحد طرفيها. والإخوة يقولون: بما أنها قادرة على إنفاذ قضائها فلها أن تقضي وتُنْفِذَ قضاءها في مسألة هي أحد طرفيها!!!!
فهل يخفى عليهم أن بعض الجماعات غير جماعة الدولة أكثر عددا وعتادا ولو شاءت أن تنفذ قضاءها بالقوة لفعلت؟ ولكنها تعلم أن هذا ليس من الحق في شيء ويجلب الاقتتال.
4. نص بعض هؤلاء الإخوة على وجوب البيعة للدولة كقولهم في الشيخ البغدادي: (ووجب على المسلمين في القطر بيعته والتحاكم إليه). وقولهم أيضا: (والإلزام يحتاج إلى قوة وشوكة, وذلك حاصل في الدولة الإسلامية) وقارنوه بالهيئة الشرعية من وجوه منها أن الهيئة الشرعية غير ممكنة، مما يفيد بأن جماعة الدولة ممكنة! وهذه الإطلاقات –مع عدم صحتها- يُخشى أن يبنى عليها لاحقا تجويز إلزام الناس بالبيعة، بما أن إخواننا هؤلاء يرون هذه البيعة للبغدادي واجبة ويرون الدولة ممكنة ذات قوة وشوكة! مع أن الشيخ العدناني قال من قبل: (ومن أعظم وأقبح ما يُفتَرى علينا ونُتَّهَمُ به: أن الدولة تجبر الناس على بيعتها، وتزعم أنها حصراً الطائفة المنصورة). بينما كلام إخواننا هؤلاء يفضي في النهاية إلى استجازة إجبار الناس على البيعة.
5. استنكر إخوة عبارتي: (هل تقبل الدولة حقيقة برقابة الأمة ومحاسبتها وتوجيهها؟!)، فقال أحدهم أكرمه الله:
(ونحن هنا ننزه الدكتور وهو ممن جهد في محاربة الديمقراطية وشبهات الديمقراطيين أن يطلق نحو هذه الإطلاقات المنسجمة مع نفس الديمقراطيين! إذ أن الدولة في الإسلام لا تتم الرقابة عليها من الأمة, بل من أهل الاختصاص في الأمة كالحسبة وأهل الحل والعقد.) فأقول:
بل إطلاقي هذا منسجم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة))، فلما سؤال: (لمن يا رسول الله؟) قال: ((لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)). فالرقابة التي نتكلم عنها هي النصيحة المذكورة في الحديث، وهي حق حتى لعامة المسلمين.
6. كما استغربوا قولي: (ثم بأي حق تحتجز جماعة الدولة أسرى من المجاهدين؟!) وقالوا: (فنجيب سؤاله بسؤال: وهل المجاهد لا يُحتجز إن فعل ما يوجب ذلك؟!) والجواب: بل يُحتجز، لكن محل نزاعنا إثبات أنه فعل بالفعل ما يبرر ذلك. وهذا يعيدنا إلى مسألة التحاكم والتقصي من طرف غير طرفي الخصومة.
وليعذرني إخواني لعدم تعيين الأسماء مع احترامهم والاعتراف بحق أخوتهم فإن هذا أبعد عن شخصنة الخلاف.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
حمل سلسلة البراء ولولاء للشيخ ابا اسحاق الحويني حفظه الله
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض،
عالم الغيب والشهادة
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،
اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك،
إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً