مفهوم الرحمة يجب أن يضبط في التربية. فتمام رحمة الأم الشدة على ابنها ليلتزم بالصلاة، وسيدرك قيمة ما تفعله معه حين يشب وينضج ممتنا لها. على عكس الطفل الذي تُرك بحجة “الرحمة” بدون صلاة ثم انتهى به الأمر أن يجاهد نفسه مجاهدة لأداء الصلاة الواحدة! الرحمة هي إقامته على الاستقامة مبكرا.
الأم التي حفرت معاني الإيمان وحب الخير في قلب صغيرها مبكرا، لا تُنسى ولا تُعوض، ستبقى أجمل نعمة مني بها المرء في حياته، على عكس الأم التي تدفع ابنها للهث خلف الدنيا ناسيا فروضه وواجباته تجاه دينه وأمته، ثم تنتظر منه أن يبرها ويكرمها. أيتها الأمهات قدمن لأنفسكن ذرية همها الإسلام تسعدن!
الفشل الحقيقي ليس عدم حيازة شهادة دراسية! الفشل الحقيقي أن يخرج من صلبك من لا يعرف الله ولا يصلي ولا ينصر دينه! تصحيح المفاهيم أضحى ضرورة ملحة، فالأم الناجحة هي التي تحسن تربية جيل من الأبناء أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين لا تأخذهم في الله لومة لائم، بوركت الأم وبوركت الذرية!
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ولن نحلم بجيل النصر والتمكين المبين حتى نغير أساليب التربية المنهزمة الهشة! حتى نعيد الأمهات قلاعا، تربية أبنائهن عندهن أولوية لا تقبل المساومة. حتى نصحح مفاهيم التربية ويصبح على هرم أولوياتنا الإسلام.
الأم أول مدرسة لتعليم الإسلام لصغارها، الأم أول معلم يجب أن يعد نفسه لتقديم الأفضل وصياغة جيل مسلم يمثل الإسلام أحسن تمثيل، وهذه مهمة تتطلب تعلما وصبرا وإخلاصا، إنه أهم مشروع بين يديك يتعلق به مصير أمة كاملة، فمن بخسه أو شغلك عنه لا يستحق أن يتلفت إليه بل نتجاوزه بعزة الإيمان وعلو الهمة.
أعظم شهادة على المرأة أن تسعى لها، شهادة من في الأرض والسماء على أنها كانت نعم الأمة لله، ونعم الزوجة والأم، ونعم الابنة والأخت، تعامل الناس بطاعة الله وإن عصوا الله فيها لا تحيد عن التقوى! هذه هي الشهادة التي تستحق منك كل البذل والعناية والاجتهاد والصبر والتضحية. أما غيره فصلاحية محدودة!
الابنة التي تشاهد أمها تبذل الأسباب في استيعاب حاجات أبنائها، من نفسيات وأساليب تربية وتعليم ومن عناية بقلوبهم وأجسادهم ترث هذا الميراث بدورها وهي مدركة لأهمية ثغرها، أما تلك التي تستيقظ على أم خارج البيت كل الوقت، تفتقدها حتى تقع في مصيبة أو كارثة! تكبر مهزوزة تائهة! قد انطفئ نور بداخلها.
لا نريد أمهات جلّ همهن تنظيف البيت والطبخ بينما سخطهن وصل فضاء الحي! نريد أمهات همهن بث أبنائهن حقيقة الإيمان والعبودية لله، حقيقة العمل في سبيل الله والمسابقة لمراتب الجنة، لأم تحدثهم عن القرآن عن تدبر آيات الله في الحياة، عن الجنة والنار. أم تربي وتعلم حتى وهي تنظف! أم بين عينيها الإسلام!
مملكة من الجمال! جنة من السعادة والفتوحات في داخل كل بيت! تنفتح أبواب البركات فيه حين تكون الزوجة والأم ملهمة، عابدة لربها مسابقة، تدرك مكامن الخير وتوفر أسباب النبوغ، مستودع جد وبهجة! هذا النوع من الأمهات نحن بحاجة له بشدة. ليس أمهات يلهثن خلف الدراهم في شقاء وبيوتهن جحيم وهدم ثم ندم!
أكبر أكذوبة تربت عليها الفتاة في عالمنا، هي أن البيت مقبرة يهدم طموحها ويضيع عليها فرص تحقيق الذات! فحتى من قرّت في البيت تجدها تتأفف وتستثقل هذا القرار فتمضي وقتها في عبث! لأن النظرة للبيت بقيت في حدود ما يريد العالم! ليس ما يريد رب العالم. المرأة بيدها أن تكون عالمة في بيتها ومدرسة علماء.
صناعة الشغف بعلوم التربية وإدارة البيوت وكل ما يستنير به البيت المسلم من علوم أوجب واجبات النساء اليوم، وهو العلم الذي يجب أن تسعى له الفتاة منذ سن مبكرة، لأن سعادة البيت تقوم على هذا العلم الذي تم تهميشه حتى رأينا كوارث في الأجيال بتخلف عقدي وانهيار أخلاقي يندى له الجبين ويخجل منه المسلم.
ما فائدة تعليق شهادات دنيوية في الجدار بينما المرأة فاشلة في فن التعاملات مع زوجها وأبنائها راسبة في فقه التودد والعشرة بالمعروف!
ما فائدة حيازة المال كل شهر بينما مشاعر المودة والرحمة مفقودة في بيتها؟!
ما فائدة بيت بلا منارة الأنثى التي تشد الأزر وتعين على نوائب الدهر في زمن الغربة!
كم كانت خسائرنا كبيرة في ميدان التربية ولا تزال! ولذلك الأمل في الأجيال أن تستدرك كل ضعف ونقص وتعيد الاهتمام من جديد لهذا المجال، أن نصحح المفاهيم تماما من جديد وفق هدي القرآن والسنة، هنا فقط سنحلم بتغيير عظيم في حياتنا، نرى أثره في نفوسنا وفي الأمة، أما تكرار الأخطاء فتكرار الفشل!
أختي المسلمة، إن انشغالك بتعلم دينك والعلوم والفنون التي تنفعك في إنشاء بيت سعيد مستقر بالإيمان واليقين والعمل الصالح، لهو أهم ما يجب أن تسعين له، فصححي المسيرة وما فاتك استدركيه، واصنعي جنتك بيديك في بيتك، فالقرآن والسنة نوران لا يظلم بيت استنار بهما. ثم معذرة إلى ربكم، والله مولاك.
علينا أن نعترف أن النظام الدراسي الذي فرض علينا أفقدنا قيمة العلم وجوهره، وأصبح سعي الطلاب للشهادات وتلبية متطلبات الشركات والوظائف وتحصيل الراتب أهم من تأثير العلم في ذات الإنسان، ولذلك أكثر الشهادات لم يكن لها نفع لأصحابها في أنفسهم، لأن أغلب العلوم لقنت وفق مقياس الجشع البشري.
هذا يفسر جزئيا عجز بعض النساء عن استيعاب حقيقة العلم وقيمته في بيتها، ولسعادة بيتها، وحصرها مفهوم العلم والنجاح في شهادة يرضى عنها المجتمع وإن سخط عليها ربها تعالى وهدمت حياتها!
الفهم الصحيح للقيمة الحقيقية للعلم خطوة أولى لإعادة تأثير العلم في بناء الأنفس والأسر والمجتمعات لحياة طيبة وتغيير مبشر.
في الأخير كأننا نبصر مصيبتنا في هذه الدنيا هي حقيقة تفشي “الجهل” و”التعالم” و”تكرار الأخطاء نفسها” بعدوى “التقليد الأعمى” و”المنافسة في الدنيا”، هذا السبب في تعثر نهضتنا على مستوى الفرد والأمة. لأنها ذهنيات تربت على دنو الهمة لا علوها، ودنو الهمة ينشد الدنيا، وعلوها ينشد الفردوس!
لا بد أن نعيد إحياء معاني العلم الحقيقية ونعيد للعلم قيمته وجوهره لتغيير حياتنا للأفضل على مستوى الفرد والأمة، لا بد أن نعيد الفهم الصحيح لهذا العلم للتنعم ببركاته في أنفسنا ومع من حولنا، العلم نور والجهل ظلام، وما نراه من مشاهد مظلمة إنما سببها تضييعنا لجوهر العلم وانشغالنا بقشوره.
العلم الذي نحتاج إليه للنهوض هو العلم الذي يبني الإنسان والأمة،
هو العلم الذي ينطلق من أساس التوحيد ويقوم بالإسلام ويهدف إلى إقامة بنيان الإسلام في الأرض. كل العلوم تسخر لهذا الهدف وتستقيم به. فليكن الشغف بتحصيل العلم لقيمته لا الشهادات “الدعائية”!
ليكن الشغف بالعمل بالعلم على بصيرة.
تأمل هذا الفقه وهذا الجمال:
قال ابن القيم رحمه الله:”من طلب العلم ليُحيي به الإسلام فهو من الصديقين ودرجته بعد درجة النبوّة”.
ويقول رحمه الله:”ولا يعدل مِداد العلماء إلا دم الشهداء”
اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم ..
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.
اللهم إنا نسألك علما نافعا، وعملا متقبلا ..اللهم لا تجعل مُصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ همِّنا ولا مبلغَ عِلمِنا.
_________________________________________