أن ابن الزكي
تولى قضاء دمشق في ربيع الأول من سنة 587هـ()،
عوضاً عن القاضي ابن أبي عصرون.
ويذكر الأسدي، في حوادث سنة 587هـ، أنه فيها "عزل السلطان
أبا حامد ابن أبي عصرون عن قضاء دمشق، وولى محيي الدين بن الزكي).
ثم أصبح ابن الزكي قاضياً للقضاة، في سنة 588هـ، واستمر يتولى منصبه هذا إلى أن توفي سنة 598هـ().
وهذا نص خطبته الشهيره
عندما تم فتح بيت المقدس
من قبل المسلمين بقيادة
صلاح الدين الايوبي رحمه الله
* * *
لما([1]) رقي ابن الزكي المنبر استفتح بسورة الفاتحة، وقرأها إلى آخرها، ثم قال([2]):
"فَقُطِعَ دابرُ القوم الذين ظلموا، والحمدُ للّه ربِّ العالمين"([3]).
"الحمدُ لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين"([4]).
"الحمد للّه الذي خلَقَ السّمواتِ والأرضَ، وجعلَ الظُّلماتِ والنورَ، ثُمَّ الذين كفروا بربِّهم يَعْدِلون"([5]).
"وقُلِ الحمدُ للّه الذي لم يتخذْ ولداً، ولم يكُنْ له شريكٌ في المُلْكِ، ولم يكُنْ له وليٌّ من الذُّلِّ، وكَبِّرْهُ تكبيراً"([6]).
"الحمدُ للَّه الذي أنزلَ على عَبْدهِ الكتابَ ولم يجعلْ له عِوجاً، قيّماً لينذرَ بأساً شديداً من لَدُنْه، ويُبشِّر المؤمنين الذين يعملون الصالحاتِ أنَّ لهم أجراً حسناً، ماكثين فيه أبداً، ويُنْذرَ الذين قالوا اتَّخذ اللَّه ولداً، ما لهم به من عِلْمٍ ولا لآبائهم، كَبُرتْ كلمةً تخرجُ من أفواههم إن يقولون إلا كذباً"([7]).
"قل([8]) الحمدُ للَّه وسلامٌ على عباده الذين اصطفى اللَّه خيرٌ أمّا يُشركون"([9]).
"الحمدُ للَّه الذي له ما في السَّموات وما في الأرضِ، وله الحمدُ في الآخرةِ، وهو الحكيمُ الخبيرُ، يَعْلمُ ما يَلِجُ في الأرْض، وما يَخْرجُ منها، وما يَنْزلُ من السَّماءِ، وما يَعْرجُ فيها، وهو الرحيمُ الغَفورُ"([10]).
"الحمدُ للَّه فاطر السَّموات والأرضِ، جاعلِ الملائكةِ رُسُلاً"([11]).
ثم شرع في الخطبة فقال:([12])
"الحمدُ لله مُعزِّ الإسلام( [13]) بنصْرِه، ومُذِلِّ الشِّرْكِ بقهْره، ومُصرِّفِ الأمورِ([14]) بأمْرِه، ومُديمِ النِّعمِ بشكْرِه، ومُسْتدرجِ الكافرين([15]) بِمَكرِه، الذي قَدَّرَ الأيَّامَ دُولاً بِعدْلهِ، وجعلَ العاقبةَ للمتقين بفَضْلهِ، وأفاءَ([16]) على عبادِهِ من ظِلِّه([17])، وأظهرَ دينَهُ على الدّينِ كُلِّه. القاهر فوقَ عبادِه فلا يُمَانَعُ، والظاهر على خليقته([18]) فلا يُنازَعُ، والآمر بما يشاءُ([19]) فلا يُراجَعُ، والحاكم بما يريدُ فلا يُدافَعُ.
أحْمَدُهُ على إظفارِهِ وإظهارِهِ، وإعزازِهِ لأوليائِهِ([20]) ونصْرِهِ لأنْصارِهِ، وتطهير([21]) بيتِهِ([22]) المُقدَّسِ من أدْناسِ الشّرْكِ وأوْضارِهِ([23])، حمْدَ من استشْعرَ الحَمْدَ باطنَ سِرِّهِ، وظاهرَ جِهارِهِ([24]).
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا الله وحدهُ لا شريكَ له ]الواحدُ[([25])الأحدُ ]الفردُ[([26]) الصَّمدُ، الذي "لم يَلدْ ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفًواً أحدٌ"([27]). شهادة مَنْ طهَّر([28]) بالتوحيدِ قلْبَهُ، وأرْضى به ربَّهُ، وأشْهدُ أن ]سيدنا[([29]) محمداً، صلى الله عليه وسلم، عبده ورسوله، رافع([30]) الشَّك،([31]) ودافع الشِّرْكِ، وداحِض([32]) الإِفك، الذي أسْرَى بعبده([33]) ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى هذا المسجدِ الأقصى، وعرج به منه إلى السمواتِ العُلى، إلى سِدْرةِ المُنْتهَى، عِنْدهَا جنَّةُ المأوَى، إذْ يَغْشى السِّدْرَة ما يَغْشى. ما زاغَ البصر وما طغى"([34]).
صلَّى الله عليه ]وسلم[([35])، وعلَى خليفتِهِ أبي بكرِ الصِّديقِ، السابقِ إلى الإيمانِ، وعلى أميرِ المؤمنين عمر بنِ الخطابِ، أول من رفَعَ عن هذا البيتِ المُقدَّس([36]) شعارَ الصُّلْبان، وعلى أميرِ المؤمنين عثمان] بن عفان[([37]) ذي النُّوريْن، جامعِ القرآن، وعلى أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب ]مُبيد الكفر[([38]) ومُزلزِلِ الشِّركِ، ومُكسِّرِ الأوْثَان، وعلى آله وأصحابه([39]) والتابعين لهم بإحسان. ]وسلم[([40]).
أيُّها([41]) الناسُ: أبشروا برضوانِ الله([42]) الذي هو الغايةُ القُصوى، والدرَجة العُلْيا، لِمَا يَسَّرهُ([43]) الله على أيْديكُم([44]) من استردادِ هذه الضالةِ، من الأمةِ الضالّةِ، وردِّها إلى مَقرِّها من الإِسلام، بعد ابتذالِها في([45]) أيْدي المشركين قريباً من مائةِ عامٍ، وتطهير هذا البيت الذي أذِن الله أنْ يُرْفَع، ويذكرَ فيه([46]) اسمُهُ، وإماطةِ الشِّركِ عن طُرُقِه([47])، بعد أن امتدَّ عليها([48]) رِواقُهُ، واستقرَّ([49]) فيها رَسْمهُ، ورفع قواعده بالتوحيد([50])، فإنه بُني عليه وشيد بنيانه بالتمجيد،([51]) وإنَّه([52]) أسِّس على التقوى([53]) من خَلْفهِ ومن بيْن يدَيْهِ. وهو([54]) موطنُ أبيكم إبراهيم، ومعراجُ نبيكم محمد عليه السلام([55]). وقبلتكم التي كُنْتم تُصَلُّون إليها في ابتداء الإِسلام، وهو مَقَرُّ الأَنبياء، ومقصدُ([56]) الأَولياء، ومدفن([57]) الرُّسُلِ، ومهبطُ الوحي، ومنزلُ([58]) تنزُّلِ([59]) الأَمرِ والنَّهْي، وهو أَرض المحشرِ، وصعيد المنشرِ، وهو في([60]) الأرضِ المُقَدَّسةِ التي ذكرها الله ]تعالى[([61]) في كتابه المبين. وهو المسجد ]الأقصى[([62]) الذي صلى فيه رسولُ الله([63]) - صلى الله عليه وسلم- بالملائكة([64]) المُقَرَّبين، وهو البلدُ الذي بعثَ إليه([65]) عبَدهُ ورسولهُ وكلمتهُ التي ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي شَرَّفَهُ الله برسالتِهِ، وكَرَّمَهُ بنُبُوَّتِه([66])، ولم يُزَحْزِحْهُ عن رُتبةِ عُبوديته، فقال تعالى: "لن يستنكفَ المسيحُ أن يكون عبداً لله، ولا الملائكةُ المُقَرَّبون"([67]) وقال: "لقد كفر الذين قالوا: إنَّ اللّه هو المسيحُ ابن مريم"([68]). كذبَ العادلون بالله، وضلّوا ضلالاً بعيداً([69]). "ما اتَّخذ اللَّه من ولدٍ، وما كان معه من إله إذاً لذهبَ كُلُّ إلهٍ بما خَلَقَ، ولعلا([70]) بعضهم على بعض سبحانَ اللَّه عما يصفون. عالم الغيْبِ والشَّهادةِ، فتعالى عَمَّا يُشْرِكون"([71]).
وهو أولُ القبلتين، وثاني المسجدين، وثالثُ الحرمين، لا تُشَّدُ الرِّحالُ بعدَ المسْجديْن إلّا إليه، ولا تُعْقَدُ([72]) الخناصِرُ([73]) بعد الموطنين إلّا عليه([74])، ولولا([75]) أنكم ممن اختارهُ الله من عباده، واصْطَفَاهُ من سُكّان بلاده، لما خَصّكم الله بهذه الفضيلة التي([76]) لا يُجاريكم فيها مُجارٍ([77])، ولا يُباريكم في شرفها مُبار([78])، فطوبى لكم من جيش ظهرتْ على أيديكم المعجزاتُ النبويّة، والوقعات([79]) البدْريّةُ، والعزماتُ([80]) الصدّيقيّة، والفتوح([81]) العُمريّة. والجيوشُ العثمانيّةُ، والفتكاتُ العلويّة، جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات( [82]) اليرموكية، والمنازلاتِ الخيّبرِيةِ، والهَجَماتِ( [83]) الخالدية، فَجَزَاكُمُ( [84]) الله عن نَبِيِّه محمد( [85])، صلى الله عليه وسلَّم، أفضلَ الجزاءِ، وشكرَ لكم ما بَذَلْتُموه من مُهَجكُم في مقارعة الأعداء، وتقبَّل ]منا[ ( [86]) ومنكم ما تقرَّبْتُم به إليه من مِهراقِ( [87]) الدِّماء، وأثابكم الجنة فهي( [88]) دارُ السُّعداء، فاقدروا، رحمكم الله، هذه النعمة حقّ قدْرِها، وقوموا لله قانتين بواجب شكرها( [89])، فله ]تعالى[([90]) النعمة ([91]) عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة ،وترشيحكم لهذه الخدمة، فهذا هو الفتح الذي فُتِّحتْ له أبوابُ السَّماءِ، وتبلَّجتْ( [92]) بأنوار وجوهُ الظَّلْماء، وابتهج به الملائكةُ المُقرَّبون، وقَرَّ به عيناً الأنبياءُ والمرسلون( [93])، فماذا ]له[( [94]) من النعمةِ بأنْ جعلكمُ الجيشَ الذي يُفْتَحُ عليه( [95]) البيتُ المُقدَّسُ في آخرِ الزمانِ، والجند الذي تقوم( [96]) بسيوفهم بعد فترة من النبوةِ( [97]) أعلامُ الإيمان، فيوشك أنْ يفتح الله على أيديكم أمثاله([98]) وأن تكونَ التهاني به بين أهِل( [99]) الخضراء أكثر من التهاني به بين أهلِ( [100]) الغبراءَ.
أليسَ هو( [101]) البيتُ الذي ذكره الله ]تعالى[( [102]) في كتابه، ونَصَّ عليه في] محكمِ[( [103]) خطابه؟( [104]) فقال تعالى: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرامِ إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" الآية( [105]).
أليس هو البيت( [106]) الذي عَظّمَتْه المِلَلُ( [107])، وأثنتْ عليه الرُّسُلُ، وتليتْ فيه الكتب الأربعة المنزلة( [108]) من إلهكم( [109])، عزَّ وجلَّ([110])؟
أليسَ هو البيتُ الذي أمْسكَ الله، عز وجل( [111]) فيه( [112]) الشمس( [113]) على يوشعَ لأَجله أنْ تَغْربَ( [114])، وباعد بين خطواتِها( [115]) ليتيسر( [116]) فتْحُهُ ويَقْرُب؟.
أليسَ هو البيتُ الذي أمَرَ الله ]عزّ وجلّ[ ( [117]) موسى أن يأمرَ قوْمهُ باستنقاذه( [118])، فلم يُجبه إلّا رَجُلان، وغضبَ عليهم لأجله( [119])، فألقاهم( [120]) في التيه عقوبةً العصيان( [121])؟.
فاحمدوا( [122]) الله الذي أَمضى عزائمكم لما قعد( [123]) عنه بنو إسرائيل، وقد فَضَّلَهُم([124]) على العالمين، ووفَّقكُم لما خُذِل فيه من( [125]) كان قبْلكُم من الأُمم الماضين( [126])، وجمعَ لأَجله كلمتكم، وكانت( [127]) شَتَّى، وأَغناكم بما أمْضَتْهُ ( [128]) (كان) و(قد( عن( [129]) )سوف)( [130]) و(حتى(( [131]).
فَلْيَهْنِكُم( [132]) أنَّ الله ]تعالى[( [133]) قد ذكركم به فيمن عنده، وجعلكم بعد أنْ كنتم جنوداً لأهويتكم( [134]) جُنْده، وشكَرَكُم( [135]) الملائكة المنزلون على ما أهْديتم إلى هذا( [136]) البيت من طب التوحيدِ، ونشر التقديس والتمجيد( [137])، وما أمطتم عن طُرُقهم فيه( [138]) من أذى الشِّرك والتثليث، والاعتقاد الفاجر( [139]) الخبيث، فالآن( [140]) يستغفر لكم( [141]) أملاك السمواتِ، وتُصلّى عليكم الصلوات المباركاتِ، فاحفظوا( [142])، رحمكم الله، هذه الموهبة فيكم، واحرسوا هذه النعمة( [143]) عندكم، بتقوى الله ]تعالى[( [144]) التي( [145]) من تمسَّك بها سلِمَ، ومن اعتصم بعُرْوَتِها( [146]) نجا وعُصمَ( [147])، واحذروا من اتباع الهوى، ومواقعه( [148]) الرَّدى، ورجوع القهقرى، والنكول( [149]) عن العِدا، وخُذُوا( [150]) في انتهاز الفرصة، وإزالة ما بَقِي من الغُصَّة( [151]) ،وجاهدوا في الله حقَّ جهاده، وبيعوا عبادَ الله أنفسكم( [152]) في رِضاه إذ( [153]) جعلكم من خير( [154]) عباده، وإياكم( [155]) أنْ يستزلكم( [156]) الشيطان( [157])، وأنْ يتداخلكُم الطغيان( [158])، فيخيل لكم( [159]) أن هذا النصر بسيوفكم الحِداد، وبخيولكم( [160]) الجياد، وبجلادكم( [161]) في موطن( [162]) الجلاد، والله([163]) ما النصرُ إلّا من عند الله، إن الله عزيزٌ حكيم( [164]).
واحذروا( [165]) عبادَ الله، بعد أنْ شرّفكم الله بهذا الفتح الجليل، والمنْح الجزيل، وخَصّكم( [166]) بهذا النصر( [167]) المبين، ]وأعْلَق أيديكم بحبْله المتين)( [168])، أن تقترفوا كبيراً([169]) من مناهيه( [170])، وأن تأتوا عظيماً من معاصيه، فتكونوا كالتي نقضتْ غَزْلها من بعد قوةٍ أنْكاثاً، والذي( [171]) آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين. والجهادَ الجهادَ، فهو من( [172]) أفضلِ عباداتكم، وأشرف عاداتكم، انصروا([173]) الله ينصركم، ]احفظوا الله يحفظكم[( [174]) اذكروا( [175]) الله يَذْكُرْكُم، اشكروا( [176]) الله يَزِدْكُم([177]) ويشكركم، جدُّوا في( [178]) حسم الداءِ، وقطع( [179]) شأفة الأعداء، وتطهير( [180]) بقية الأرض ]من هذه الأنجاس([181]) [التي([182]) أغضبت الله ورسوله، واقطعوا فروع([183]) الكفر، واجتثوا أصوله، فقد نادت([184]) الأيام بالثارات([185]) الإِسلامية والملة المحمدية.
الله أكبر، فتح الله ونصر، غلب([186]) الله وقهر، أذل([187]) الله من كفر. واعلموا، رحمكم الله، أنّ هذه فرصة فانتهزوها، وفريسة فناجزوها([188])] ،وغنيمة فحوزوها[ ومهمة([189]) فأخرجوا لها([190]) هممكم وأبرزوها، وسيروا إليها([191]) ]سرايا[ ([192])عزماتكم( [193]) وجهزوها، فالأمورُ بأواخرها([194])، والمكاسب بذخائرها، فقد ([195]) أظفركم([196]) الله ]تعالى[([197]) بهذا العدو المخذول([198])، وهم مثلكم أو يزيدون( [199])، فكيف([200]) وقد أَضحى في( [201]) قبالة الواحد منهم( [202]) منكم عشرون، وقد قال تعالى: ﴿إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. وإن يكنْ منكم مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قومٌ لا يفقهون"( [203]). أعاننا الله وإياكم على اتباع أوامره والازدجار([204]) بزواجره، وأيدنا معشر( [205]) المسلمين بنصر من عنده. إِن ينصركم اللّه فلا غالب لكم، وإن يَخْذُلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده.( [206]).
] إن( [207]) أشرف مقال يقال في مقام، وأنفذ سهام تمرق( [208]) عن قسيّ الكلام، وأمضى قول تحل( [209]) به الأفهام، كلام( [210]) الواحد الفرد العزيز العلام( [211]). قال الله تعالى: "وإذَا قُرِىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"( [212]). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. وقرأ أول سورة الحشر، ثم قال: آمركم وإيّاي عباد الله بما أمرَ الله به من حسن الطاعة فأطيعوه، وأنهاكم وإيّاي عما نهى الله عنه من قُبح المعصية فلا تعصوه، وأستغفر الله العظيم لي ولجميع المسلمين فاستغفروه[( [213]).
* * *
وتمام الخطبة الثانية قريب مما جرت به العادة. وقال بعد الدعاء للخليفة([214]): "اللّهم وأدم سلطان عبدِكَ الخاضع لهيبتك، الشاكر لنعمتك، المعترفِ بموهبتك( [215])، سيفك القاطع وشهابك( [216]) اللامع والمحامي( [217]) عن دينك( [218]) المدافع( [219])، والذاب( [220]) عن حرمك ]وحرم رسولك[( [221]) الممانع، السيد الأجل ]والكهف الأظل]([222]) الملك الناصر،( [223]) جامع كلمة الإيمان، وقامع عبدة الصلبان( [224]) صلاح الدنيا والدين([225])، سلطان الإِسلام والمسلمين( [226])، مطهر البيت( [227]) المقدس من أيدي المشركين مع([228]) أبي المظفر يوسف بن أيوب، محيي دولة أمير المؤمنين.
اللهم عمَّ بدولته البسيطة، واجعل ملائكتك المُقرّبين( [229]) براياته محيطة، وأحسن عن الدّين الحنفيّ جزاءه، واشكر عن المِلة المُحمدية عَزْمَةُ ومضاءه( [230]). اللهم أبق( [231]) للإسلام( [232]) ]والمسلمين[( [233]) مهجته، ووقِ للإيمان( [234]) حوزته، وانشر في المغارب والمشارق( [235]) دعوته.
اللهم فكما( [236]) فتحت على يده( [237]) البيت( [238]) المقدس، بعد أن ظنت( [239]) الظنون وابتلي المؤمنون، فافتح على يده( [240]) أداني الأرض وأقاصيها( [241])، ومَلِّكْهُ([242]) صياصي الكفرة( [243]) ونواصيها( [244])، فلا تلقاه منه( [245]) كتيبة( [246]) إلّا مزَّقها( [247])، ولا جماعة( [248]) إلا فرّقها( [249]) ولا طائفة بعد طائفة إلا ألحَقَها( [250]) بمن سبقها.
اللّهم اشكر( [251]) عن محمد، صلى الله عليه وسلم، سعيه( [252])،، وأنفذ في المشارقِ والمغارب ]أمره ونهيه[( [253]) اللهم وأصلح به أوساط البلاد وأطرافها، ]وأرجاء الممالك وأكنافها[( [254]).
اللّهم ]ذلِّل به معاطسَ( [255]) الكُفّار، وأَرغم به أُنوفَ( [256])[ الفُجّار، وانْشُر ذاوئب([257]) مُلكه( [258]) على الأمصار، ]وابثث سرايا جنوده في سبل الأقطار[( [259]).
اللهم ثبِّت الملكَ فيه وفي عقبه( [260]) إلى يوم الدين، واحفظه في بنيه وبني أيوب( [261]) الملوك( [262]) الميامين، واشددْ عَضُدَه ببقائهم( [263])، واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم.
اللهم كما( [264]) أَجْرَيْتَ على يده( [265]) في الإِسلام( [266]) هذه الحسنةَ التي تبقى على الأيام، وتتخلَّد على مَرَّ( [267]) الشهور والأعوام، فارزقه( [268]) الملك الأبدي الذي لا ينفدُ في دار المتقين( [269]). وأجبْ( [270]) دعاءه في قوله: "رَبِّ أوزعْني أَنْ أَشكرَ نعْمتكَ التي أنعَمْتَ عليَّ وعلى والديّ وأنْ أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتكَ في عبادِك الصالحين( [271])"( [272]).